سرطان البانكرياس شرس ومباغت ... بعد الخمسين
سرطان البانكرياس قليل الحدوث الى حد ما، وغالباً ما يتم رصده في مرحلة متأخرة، وهو من أشد أنواع السرطانات وأشرسها. وفي الولايات المتحدة يتم تشخيص 11 الى 12 حالة سرطان بانكرياس من بين كل ألف شخص سنوياً، وفي فرنسا يبلغ عدد الإصابات به حوالى و8 آلاف في مقابل 10 آلاف حالة في المانيا، وعلى مستوى العالم تفيد التحريات بظهور اكثر من 200 ألف حالة بسرطان البانكرياس سنوياً. ومن بين الذين أصيبوا بسرطان البانكرياس مغني الأوبرا الشهير لوشيانو بافاروتي الذي توفي بسببه عن عمر 71 عاماً. كما ان الممثل الأميركي الوسيم باتريك سويز يعاني منه. والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، فقد عدداً من أفراد عائلته بسرطان البانكرياس، من بينهم والده وشقيقه وشقيقته.
يصيب سرطان البانكرياس الجنسين، والعمر الوسطي لدى تشخيص الورم عند الرجال هو 69 عاماً في مقابل 74 عاماً للنساء. ومن النادر مشاهدة السرطان قبل سن الخمسين، ولكن نسبة التعرض لخطره تزداد كلما توغل الشخص في العمر. وعلى رغم ان سرطان البانكرياس ليس شائعاً، إلا انه يعتبر السبب الرابع للوفيات بالمرض الخبيث، ومتى شخص المرض فإن فترة بقاء المريض على قيد الحياة في المتوسط هي ستة أشهر، ولا تتعدى في أحسن الحالات سوى عام ونيف.
والبانكرياس غدة ملساء ناعمة تقع في عمق البطن خلف المعدة، وتتألف من قسمين: الغدة الخارجية الإفراز (أي تملك قناة) التي تطرح عصارة تحتوي على انزيمات هاضمة هي الليباز والكوليسترول ايستيراز والأميلاز، وغيرها من الأنزيمات التي تساعد على هضم النشويات والبروتينات والدهنيات. والغدة الداخلية الإفراز (أي غدة صماء لا تملك قناة) التي تصنع هرمون الأنسولين وهرمون الغلوكاكون. وسرطان البانكرياس يطال الغدة الخارجية الإفراز في 90 في المئة من الحالات، أما النسبة الباقية فتطال الغدة الداخلية الإفراز، ويتطور السرطان في اي جزء من البانكرياس إلا أن 60 في المئة منه يحدث في رأس البانكرياس.
ما هي عوارض سرطان البانكرياس؟
يمكن لسرطان البانكرياس ان يعطي عوارض تتباين من شخص الى آخر، وهي عوارض لانوعية نجد صداها في الكثير من الأمراض الهضمية البسيطة التي تصيب المعدة والأمعاء، ومنها:
- المعاناة من أوجاع في أعلى البطن وأعلى الظهر.
- حس الانزعاج في منطقة المعدة.
- قلة الشهية على الطعام.
- خسارة في الوزن.
- اصفرار الجلد والعينين.
- الإمساك.
ان العوارض المذكورة لا تحصل عادة الا بعد ان يكون السرطان قطع شوطاً كبيراً في مشواره، ومن النادر ان يطلق سرطان البانكرياس تحذيراً مبكراً اللهم إلا في بعض الحالات القليلة جداً التي ينشأ فيها الورم في رأس البانكرياس بحيث يضغط على القناة الصفراوية، الأمر الذي يمنع تصريف مادة البيليروبين من الكبد والمرارة فيرتفع مستوى هذه المادة في الدم مسبباً اللون الأصفر على الجلد وفي العينين.
ان السبب الفعلي لسرطان البانكرياس لا يزال مجهولاً،
ولكن هناك بعض عوامل الخطر:
1- التدخين، فلقد بينت الدراسات ان خطر التعرض لسرطان البانكرياس يزيد 2 الى 3 مرات عند المدخنين أسوة بأقرانهم من غير المدخنين. وفي تجارب أجريت على المدخنين (اكثر من 20 سيجارة يومياً) تبين ان الخطر يرتفع كلما تصاعد عدد السجائر المدخنة.
2- التهاب البانكرياس المزمن والتهاب البانكرياس المتكرر، الذي ينتج عن أسباب عدة من أهمها الإدمان على الكحوليات. ويتشابه سرطان البانكرياس مع التهاب البانكرياس من ناحية الصمت إذ لا يعطيان عوارض واضحة تدل عليهما.
3- الداء السكري، ان سرطان البانكرياس يضرب المصابين بالداء السكري أكثر من أقرانهم غير المصابين به.
4- الجنس، ان الذكور هم أكثر عرضة لخطر زيارة سرطان البانكرياس أسوة بالنساء.
5- العرق، ان ذوي الأصول الأفريقية هم اكثر تعرضاً لخطر سرطان البانكرياس.
6- الوراثة، بعض العوائل يصاب بسرطان البانكرياس اكثر من غيره وهذا يشير الى وجود اعتلالات وراثية ضالعة في القضية، وما يعزز هذا الأمر توصل العلماء في الآونة الأخيرة الى اكتشاف جينات (مورثات) متورطة في نشوء سرطان البانكرياس، ويعمل العلماء بخطوات حثيثة من أجل الاستفادة من هذه الاكتشافات على صعيد التشخيص المبكر وإيجاد علاجات ناجعة.
7- الإفراط في استهلاك اللحوم والمواد الدسمة.
8- شرب القهوة بكثرة.
9- البدانة.
على صعيد التشخيص، لا تتوافر حتى الآن التقنية التي تسمح بالكشف عن سرطان البانكرياس، فكل أدوات التشخيص الحديثة بدءاً بالأمواج فوق الصوتية، مروراً بالتصوير المقطعي، وانتهاء بالرنين المغناطيسي، لا تجدي في التعرف على سرطان البانكرياس في طور مبكر. ولكن هناك أمل في الاستعانة ببعض البروتينات المحرضة للنمو من أجل رصد الورم في مراحله الأولية.
من ناحية العلاج، فعلى رغم الخروقات الناجحة التي حققها الباحثون على صعيد أنواع السرطانات المختلفة، إلا أن هذا الخرق بقي متواضعاً جداً بالنسبة الى سرطان البانكرياس لأنه من الصعب وضع اليد عليه باكراً، ويتمثل هذا الخرق في استعمال عقار جيمسيتابين بعد التدخل الجراحي، وأحياناً بعد الجلسات الشعاعية لدى بعض المرضى. وقد حاول العلماء إعطاء خلطة من الأدوية الكيماوية بما فيها جيمسيتابين، فكانت النتائج مخيبة للآمال. ان المشكلة الكبرى في البانكرياس هي انه غير مغلف بغشاء ما يجعل انتشار الورم موضعياً أمراً سهلاً، كما يجعل بيئة فقيرة بالأوكسيجين وهذا ما يقلل من تأثير العلاجات الشعاعية والكيماوية.
ماذا عن الوقاية؟
يفيد اخصائيو التغذية أن اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن له أكبر النفع في الحماية من السرطانات عموماً ومن بينها سرطان البانكرياس. وعلى سبيل المثال أشارت دراسات الى ان تناول حبة برتقال واحدة أو أي نوع من الحمضيات يومياً، يساعد في إبعاد خطر سرطان البانكرياس بنسبة 50 الى 70 في المئة مقارنة بالذين يتناولون حبة فواكه واحدة في الأسبوع. كما أفادت دراسات أخرى بفائدة الفواكه الجافة في محاربة هذا المرض. أيضاً فان تناول الفواكه يومياً يقلل من خطر تعرض الذين يكثرون من أكل اللحوم والدهون الى سرطان البانكرياس. وهناك مؤشرات تدل الى أهمية الأغذية الغنية بصباغ الليكوبين (البندورة، القرع، البطيخ...) في درء شر المرض. ولا يجب اهمال الحبوب والبقوليات الجافة فهي تحتوي على مكونات من شأنها ان تعرقل استيطان سرطان البانكرياس.
تبقى مسألتان في غاية الأهمية:
الاولى ، هي ان آلام البطن والإنزعاجات في أعلى البطن في سرطان البانكرياس، غالباً ما تندرج تحت عنوان الحموضة المعدية، وبناء عليها يلجأ كثيرون من الأطباء الى طمأنة مرضاهم بوصفهم مضادات الحموضة الأمر الذي يعطي الورم، المشهور في صمته، فرصة ذهبية كي ينمو فيمتد في الطول والعرض وهذا ما يجعل فرص التشخيص باكراً تتضاءل وبالتالي تقل نسبة الشفاء أكثر فأكثر. المسألة الثانية، وفقاً لأحد أهم الخبراء في سرطان البانكرياس الدكتور روبرت ماير، من جامعة هارفارد الأميركية، فان هذا الورم لا يبدو انه يبدأ فجأة، ولا يتطور بسرعة، ولكن المشكلة فيه انه من الصعب التعرف اليه.